فصل: سئل عن حديث (إن امرأتي لا ترد كف لامس)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وسئل شيخ الإسلام ابن تيميّة ـ رحمه اللّه ـ عن بنت الزنا‏:‏ هل تزوج بأبيها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للّه، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها، وهو الصواب المقطوع به؛ حتى تنازع الجمهور‏:‏ هل يقتل من فعل ذلك‏؟‏على قولين‏.‏ والمنقول عن أحمد‏:‏ أنه يقتل من فعل ذلك‏.‏ فقد يقال‏:‏ هذا إذا لم يكن متأولا‏.‏ وأما المتأول فلا يقتل، وإن كان مخطئا‏.‏ وقد يقال‏:‏ هذا مطلقا، كما قاله الجمهور‏:‏ إنه يجلد من شرب النبيذ المختلف فيه متأولا، وإن كان مع ذلك لا يفسق عند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وفسقه / مالك وأحمد في الرواية الأخري‏.‏ والصحيح‏:‏ أن المتأول المعذور لا يفسق، بل ولا يأثم‏.‏ وأحمد لم يبلغه أن في هذه المسألة خلافا؛ فإن الخلاف فيها إنما ظهر في زمنه، لم يظهر في زمن السلف، فلهذا لم يعرفه‏.‏

والذين سوغوا نكاح البنت من الزنا، حجتهم في ذلك أن قالوا‏:‏ ليست هذه بنتا في الشرع، بدليل أنهما لا يتوارثان، ولا يجب نفقتها، ولا يلي نكاحها، ولا تعتق عليه بالملك، ونحو ذلك من أحكام النسب، وإذا لم تكن بنتا في الشرع لم تدخل في آية التحريم، فتبقي داخلة في قوله‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏

وأما حجة الجمهور فهو أن يقال‏:‏ قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عليكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، هو متناول لكل من شمله هذا اللفظ، سواء كان حقيقة أو مجازاً، وسواء ثبت في حقه التوارث وغيره من الأحكام، أم لم يثبت إلا التحريم خاصة، ليس العموم في آية التحريم كالعموم في آية الفرائض ونحوها؛ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏ وبيان ذلك من ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أن آية التحريم تتناول البنت وبنت الابن وبنت البنت، كما يتناول لفظ العمة ـ عمة الأب؛ والأم، والجد ـ وكذلك بنت الأخت، وبنت ابن الأخت، وبنت بنت الأخت، ومثل هذا العموم لا يثبت، لا في آية الفرائض، ولا نحوها من الآيات، والنصوص التي علق فيها الأحكام بالأنساب‏.‏

/الثاني‏:‏ إن تحريم النكاح يثبت بمجرد الرضاعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما يحرم من النسب‏)‏ وهذا حديث متفق على صحته، وعمل الأئمة به‏:‏ فقد حرم اللّه على المرأة أن تتزوج بطفل غذته من لبنها، أو أن تنكح أولاده، وحرم على أمهاتها وعماتها وخالتها، بل حرم على الطفلة المرتضعة من امرأة أن تتزوج بالفحل صاحب اللبن، وهو الذي وطئ المرأة حتى در اللبن بوطئه‏.‏ فإذا كان يحرم على الرجل أن ينكح بنته من الرضاع، ولا يثبت في حقها شيء من أحكام النسب ـ سوي التحريم وما يتبعها من الحرمة ـ فكيف يباح له نكاح بنت خلقت من مائة‏؟‏ ‏!‏ وأين المخلوقة من مائة من المتغذية بلبن در بوطئه‏؟‏ ‏!‏ فهذا يبين التحريم من جهة عموم الخطاب، ومن جهة التنبيه والفحوي، وقياس الأولى‏.‏

الثالث‏:‏ أن اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، قال العلماء‏:‏ احتراز عن ابنه الذي تبناه، كما قال‏:‏ ‏{‏لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 37‏]‏، ومعلوم أنهم في الجاهلية كانوا يستلحقون ولد الزنا أعظم مما يستلحقون ولد المتبني، فإذا كان اللّه ـ تعالى ـ قيد ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏، علم أن لفظ ‏[‏البنات‏]‏ ونحوها، يشمل كل من كان في لغتهم داخلا في الاسم‏.‏

وأما قول القائل‏:‏ إنه لا يثبت في حقها الميراث، ونحوه‏.‏ فجوابه أن النسب تتبعض أحكامه، فقد ثبت بعض أحكام النسب دون بعض، كما / وافق أكثر المنازعين في ولد الملاعنة على أنه يحرم على الملاعن ولا يرثه‏.‏ واختلف العلماء في استلحاق ولد الزنا إذا لم يكن فراشا، على قولين‏.‏ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألحق ابن وليدة زمعة بن الأسود بن زمعة ابن الأسود، وكان قد أحبلها عتبة بن أبي وقاص، فاختصم فيه سعد وعبد بن زمعة، فقال سعد‏:‏ ابن أخي، عهد إلى أن ابن وليدة زمعة هذا ابني‏.‏ فقال عبد‏:‏ أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراش أبي‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هو لك ياعبد بن زمعة‏.‏ الولد للفراش، وللعاهر الحجر، احتجبي منه ياسودة‏)‏؛ لما رأي من شبهه البين بعتبة، فجعله أخاها في الميراث دون الحرمة‏.‏

وقد تنازع العلماء في ولد الزنا‏:‏ هل يعتق بالملك‏؟‏على قولين في مذهب أبي حنيفة وأحمد‏.‏

وهذه المسألة لها بسط لا تسعه هذه الورقة‏.‏ ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين؛ لا على وجه القدح فيه، ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن في ذلك ضربًا من الطعن في الأئمة واتباع الأقوال الضعيفة، وبمثل ذلك صار وزير التتر يلقي الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج عن السنة والجماعة، ويوقعهم في مذاهب الرافضة وأهل الإلحاد‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل زنا بامرأة في حال شُبُوبِيَّته، وقد رأي معها في هذه الأيام بنتًا، وهو يطلب التزويج بها، ولم يعلم هل هي منه أو من غيره، وهو متوقف في تزويجها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، لا يحل له التزويج بها عند أكثر العلماء؛ فإن بنت التي زنا بها من غيره لا يحل التزويج بها عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين‏.‏ وأما بنته من الزنا فأغلظ من ذلك، وإذا اشتبهت عليه بغيرها حرمتا عليه‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عمن زنا بامرأة؛ وحملت منه فأتت بأنثى‏:‏ فهل له أن يتزوج البنت‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، لا يحل ذلك عند جماهير العلماء، ولم يحل ذلك أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا لم يعرف أحمد بن حنبل وغيره من العلماء ـ مع كثرة اطلاعهم ـ في ذلك نزاعًا بين السلف، فأفتي أحمد بن /حنبل‏:‏ إن فعل ذلك قتل‏.‏ فقيل له‏:‏ إنه حكي فلان في ذلك خلافًا عن مالك‏.‏ فقال‏:‏ يكذب فلان‏.‏ وذكر أن ولد الزنا يلحق بأبيه الزاني إذا استلحقه عند طائفة من العلماء، وأن عمر بن الخطاب ألاط أي‏:‏ ألحق أولاد الجاهلية بآبائهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الولد للفراش، وللعاهر الحجر‏)‏، هذا إذا كان للمرأة زوج‏.‏ وأما البغي التي لا زوج لها، ففي استلحاق الزاني ولده منها نزاع‏.‏

وبنت الملاعنة لا تباح للملاعن عند عامة العلماء، وليس فيه إلا نزاع شاذ، مع أن نسبها ينقطع من أبيها، ولكن لو استلحقها للحقته، وهما لا يتوارثان باتفاق الأئمة‏.‏ وهذا لأن النسب تتبعض أحكامه، فقد يكون الرجل ابنًا في بعض الأحكام دون بعض، فابن الملاعنة ليس بابن؛ لا يرث ولا يورث، وهو ابن في باب النكاح تحرم بنت الملاعنة على الأب‏.‏

والله ـ سبحانه وتعالى ـ حرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، فلا يحل للرجل أن يتزوج بنته من الرضاعة ولا أخته، مع أنه لا يثبت في حقها من أحكام النسب لا إرث ولا عقل ولا ولاية ولا نفقة ولا غير ذلك، إنما تثبت في حقها حرمة النكاح، والمحرمية‏.‏ وأمهات المؤمنين أمهات في الحرمة فقط، لا في المحرمية‏.‏ فإذا كانت البنت التي أرضعتها امرأته بلبن در بوطئه تحرم عليه وإن لم تكن منسوبة إليه في الميراث وغيره، فكيف بما خلقت من نطفته‏؟‏ ‏!‏ فإن هذه أشد اتصالاً به من تلك، وقوله تعالى في القرآن‏:‏ / ‏{‏حُرِّمَتْ عليكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، يتناول كل ما يسمي بنتًا، حتى يحرم عليه بنت بنته، وبنت ابنه، بخلاف قوله في الفرائض‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏، فإن هذا إنما يتناول ولده وولد ابنه، لا يتناول ولد بنته؛ولهذا لما كان لفظ الابن والبنت يتناول ما يسمي بذلك مطلقًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، ليحرز عن الابن المتبني ـ كزيد ـ الذي كان يدعي‏:‏ زيد بن محمد؛ فإن هذا كانوا يسمونه ابنًا‏.‏ فلو أطلق اللفظ لظن أنه داخل فيه؛ فقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَّذٌينّ مٌنً أّصًلابٌكٍمً‏}‏ ليخرج ذلك‏.‏ وأباح للمسلمين أن يتزوج الرجل امرأة من تبناه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 37‏]‏‏.‏

فإذا كان لفظ الابن والبنت يتناول كل من ينتسب إلى الشخص حتى قد حرم الله بنته من الرضاعة، فبنته من الزنا تسمي بنته، فهي أولى بالتحريم شرعًا، وأولى أن يدخلوها في آية التحريم‏.‏ وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وجماهير أئمة المسلمين‏.‏

ولكن النزاع المشهور بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الزنا‏:‏ هل ينشر حرمة المصاهرة، فإذا أراد أن يتزوج بأمها وبنتها من غيره، فهذه فيها نزاع قديم بين السلف‏.‏ وقد ذهب إلى كل قول كثير من أهل العلم ـ كالشافعي، ومالك في إحدى الروايتين عنه ـ يبيحون ذلك‏.‏ وأبو حنيفة وأحمد ومالك في الرواية الأخرى يحرمون ذلك‏.‏ فهذه إذا قلد الإنسان فيها أحد القولين جاز ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عمن طلع إلى بيته ووجد عند امرأته رجلاً أجنبيا، فوفاها حقها، وطلقها، ثم رجع وصالحها، وسمع أنها وجدت بجنب أجنبي‏؟‏

فأجاب‏:‏

في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما خلق الجنة قال‏:‏ وعزتي وجلالي لا يدخلك بخيل، ولا كذاب، ولا ديوث‏)‏، والديوث‏:‏ الذي لا غيرة له‏.‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن المؤمن يغار، وإن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه‏)‏، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏؛ ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء‏:‏ أن الزانية لا يجوز تزويجها إلا بعد التوبة، وكذلك إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال، بل يفارقها وإلا كان ديوثًا‏.‏

/ وسئل عن رجل تزوج ابنته من الزنا‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يجوز أن يتزوج بها عند جمهور أئمة المسلمين‏.‏ حتى إن الإمام أحمد أنكر أن يكون في ذلك نزاع بين السلف، وقال‏:‏ من فعل ذلك فإنه يقتل‏.‏ وقيل له عن مالك‏:‏ إنه أباحه، فكذب النقل عن مالك‏.‏ وتحريم هذا هو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، ومالك وجمهور أصحابه وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأنكر أن يكون الشافعي نص على خلاف ذلك، وقالوا‏:‏ إنما نص على بنته من الرضاع، دون الزانية التي زني بها‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل زني بامرأة، ومات الزاني‏:‏ فهل يجوز للولد المذكور أن يتزوج بها، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

هذه حرام في مذهب أبي حنيفة وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك، وفي القول الآخر يجوز، وهو مذهب الشافعي‏.‏

/وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ عمن كان له أمة يطؤها، وهو يعلم أن غيره يطؤها ولا يحصنها‏؟‏

فأجاب‏:‏

هو ديوث، ولا يدخل الجنة ديوث‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل له جارية تزني‏:‏ فهل يحل له وطؤها‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا كانت تزني فليس له أن يطأها حتى تحيض ويستبرئها من الزنا؛ فإن ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏، عقدًا ووطأ، ومتى وطأها ـ مع كونها زانية ـ كان ديوثًا‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل‏:‏ يارسول الله، إن امرأتي لا ترد كف لامس، فهل هو ما ترد نفسها عن أحد‏؟‏أو ما ترد يدها في العطاء عن أحد‏؟‏وهل هو الصحيح أم لا‏؟‏

/فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين، هذا الحديث قد ضعفه أحمد وغيره، وقد تأوله بعض الناس على أنها لا ترد طالب مال، لكن ظاهر الحديث وسياقه يدل على خلاف ذلك ومن الناس من اعتقد ثبوته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسكها مع كونها لا تمنع الرجال، وهذا مما أنكره غير واحد من الأئمة، فإن الله قال في كتابه العزيز‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وفي سنن أبي داود وغيره‏:‏ أن رجلاً كان له في الجاهلية قرينة من البغايا يقال لها‏:‏ عناق، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تزوجها، فأنزل الله هذه الآية‏.‏ وقد قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏، فإنما أباح الله نكاح الإماء في حال كونهن غير مسافحات ولا متخذات أخدان‏.‏ والمسافحة التي تسافح مع كل أحد‏.‏ والمتخذات الخدن التي يكون لها صديق واحد‏.‏ فإذا كان من هذه حالها، لا تنكح فكيف بمن لا ترد يد لامس؛ بل تسافح من اتفق‏؟‏ ‏!‏ وإذا كان من هذه حالها في الإماء، فكيف بالحرائر‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 5‏]‏‏.‏ فاشترط هذه الشروط في الرجال هنا / كما اشترطه في النساء هناك‏.‏ وهذا يوافق ما ذكره في سورة النور من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏؛ لأنه من تزوج زانية تزاني مع غيره، لم يكن ماؤه مصونًا محفوظًا، فكان ماؤه مختلطًا بماء غيره‏.‏ والفرج الذي يطأه مشتركًا وهذا هو الزنا‏.‏ والمرأة إذا كان زوجها يزني بغيرها لا يميز بين الحلال والحرام كان وطؤه لها من جنس وطئ الزاني للمرأة التي يزني بها وإن لم يطأها غيره‏.‏ وإن من صور الزنا اتخاذ الأخدان‏.‏ والعلماء قد تنازعوا في جواز نكاح الزانية قبل توبتها على قولين مشهورين‏.‏ لكن الكتاب والسنة والاعتبار يدل على أن ذلك لا يجوز‏.‏ ومن تأول آية النور بالعقد وجعل ذلك منسوخًَا فبطلان قوله ظاهر من وجوه‏.‏ ثم المسلمون متفقون على ذم الدياثة‏.‏ ومن تزوج بغيا كان ديوثًا بالاتفاق‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة بخيل ولا كذاب ولا ديوث‏)‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 26‏]‏، أي الرجال الطيبون للنساء الطيبات، والرجال الخبيثون للنساء الخبيثات، وكذلك في النساء‏.‏ فإذا كانت المرأة خبيثة كان قرينها خبيثًا، وإذا كان قرينها خبيثًا كانت خبيثة‏.‏ وبهذا عظم القول فيمن قذف عائشة ونحوها من أمهات المؤمنين، ولولا ما على الزوج في ذلك من العيب ما حصل هذا التغليظ؛ ولهذا قال السلف‏:‏ ما بغت امرأة نبي قط، ولو كان تزوج البغي جائزًا لوجب تنزيه / الأنبياء عما يباح‏.‏ كيف وفي نساء الأنبياء من هي، كافرة كما في أزواج المؤمنات من هو كافر‏؟‏ ‏!‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيء ا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 10، 11‏]‏‏.‏ وأما البغايا فليس في الأنبياء ولا الصالحين من تزوج بغيا؛ لأن البغاء يفسد فراشه؛ ولهذا أبيح للمسلم أن يتزوج الكتابية إليهودية والنصرانية، إذا كان محصنًا غير مسافح ولا متخذ خدن، فعلم أن تزوج الكافرة قد يجوز، وتزوج البغي لا يجوز؛ لأن ضرر دينها لا يتعدى إليه‏.‏ وأما ضرر البغايا فيتعدي إليه‏.‏ والله أعلم‏.‏

 فصل

في اعتبار النية في النكاح، قد بسط الكلام في غير هذا الموضع، وبين أن المقصود في العقود معتبر‏.‏ وعلى هذا ينبغي إبطال الحيل، وإبطال نكاح المحلل إذا قصد التحليل، والمخالع بخلع اليمين؛ فإن هذا لم يقصد / النكاح، وهذا لم يقصد فراق المرأة، بل هذا مقصوده أن تكون امرأته وقصد الخلع مع هذا ممتنع، وذاك مقصوده أن تكون زوجة المطلق ثلاثا، وقصده مع هذا أن تكون زوجة له ممتنع؛ ولهذا لا يعطي مهرًا، بل قد يعطونه من عندهم، ولا يطلب استلحاق ولد ولا مصاهرة في تزويجها، بل قد يحلل الأم وبنتها‏.‏ إلى غير ذلك مما يبين أنه لم يقصد النكاح‏.‏

وأما نكاح المتعة إذا قصد أن يستمتع بها إلى مدة ثم يفارقها مثل المسافر الذي يسافر إلى بلد يقيم به مدة فيتزوج وفي نيته إذا عاد إلى وطنه أن يطلقها، ولكن النكاح عقده عقدًا مطلقًا، فهذا فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد‏.‏ قيل‏:‏ هو نكاح جائز ـ وهو اختيار أبي محمد المقدسي، وهو قول الجمهور‏.‏ وقيل‏:‏ إنه نكاح تحليل لا يجوز ـ وروي عن الأوزاعي؛ وهو الذي نصره القاضي وأصحابه في الخلاف‏.‏ وقيل‏:‏ هو مكروه، وليس بمحرم‏.‏

والصحيح أن هذا ليس بنكاح متعة ولا يحرم، وذلك أنه قاصد للنكاح وراغب فيه، بخلاف المحلل، لكن لا يريد دوام المرأة معه‏.‏ وهذا ليس بشرط؛ فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها‏.‏ فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة فقد قصد أمرًا جائزًا، بخلاف نكاح المتعة فإنه مثل الإجارة تنقضي فيه بانقضاء المدة، ولا ملك له عليها بعد انقضاء الأجل‏.‏ وأما هذا فملكه ثابت مطلق وقد تتغير نيته فيمسكها دائمًا، وذلك جائز له، كما أنه لو تزوج بنية إمساكها دائمًا ثم بدا له طلاقها، جاز ذلك‏.‏ ولو تزوجها / بنية أنها إذا أعجبته أمسكها وإلا فارقها، جاز، ولكن هذا لا يشترط في العقد لكن لو شرط أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان، فهذا موجب العقد شرعًا؛ وهو شرط صحيح عند جمهور العلماء، ولزمه موجب الشرع‏:‏ كاشتراط النبي صلى الله عليه وسلم في عقد البيع بيع المسلم للمسلم، لا داء ولا غائلة ولا خِبْثة، وهذا موجب العقد‏.‏ وقد كان الحسن بن على كثير الطلاق فلعل غالب من تزوجها كان في نيته أن يطلقها بعد مدة، ولم يقل أحد‏:‏ إن ذلك متعة‏.‏

وهذا ـ أيضًا ـ لا ينوي طلاقها عند أجل مسمي، بل عند انقضاء غرضه منها، ومن البلد الذي أقام به، ولو قدر أنه نواه في وقت بعينه فقد تتغير نيته، فليس في هذا ما يوجب تأجيل النكاح، وجعله كالإجارة المسماة‏.‏ وعزم الطلاق لو قدر بعد عقد النكاح لم يبطله، ولم يكره مقامه مع المرأة ـ وإن نوي طلاقها ـ من غير نزاع نعلمه في ذلك، مع اختلافهم فيما حدث من تأجيل النكاح‏:‏ مثل أن يؤجل الطلاق الذي بينهما، فهذا فيه قولان هما روايتان عن أحمد‏:‏

أحدهما‏:‏ تنجز الفرقة، وهو قول مالك؛ لئلا يصير النكاح مؤجلاً‏.‏

والثاني‏:‏ لا تنجز؛ لأن هذا التأجيل طرأ على النكاح والدوام أقوى من الابتداء‏.‏ فالعدة والردة والإحرام تمنع ابتداءه؛ دون دوامه فلا يلزم إذا منع التأجيل في الابتداء أن يمنع في الدوام، لكن يقال‏:‏ ومن الموانع ما يمنع الدوام والابتداء أيضًا، فهذا محل اجتهاد‏.‏ كما اختلف في / العيوب الحادثة، وزوال الكفاءة‏:‏ هل تثبت الفسخ‏؟‏فأما حدوث نية الطلاق إذا أراد أن يطلقها بعد شهر فلم نعلم أن أحدًا قال إن ذلك يبطل النكاح فإنه قد يطلق، وقد لا يطلق عند الأجل‏.‏ كذلك الناوي عند العقد في النكاح‏.‏ وكل منهما يتزوج الآخر إلى أن يموت فلابد من الفرقة‏.‏

والرجل يتزوج الأمة التي يريد سيدها عتقها، ولو أعتقت كان الأمر بيدها، وهو يعلم أنها لا تختاره، وهو نكاح صحيح‏.‏ ولو كان عتقها مؤجلاً أو كانت مدبرة وتزوجها وإن كانت لها عند مدة الأجل اختيار فراقه‏.‏ والنكاح مبناه على أن الزوج يملك الطلاق من حين العقد، فهو بالنسبة إليه ليس بلازم، وهو بالنسبة إلى المرأة لازم‏.‏ ثم إذا عرف أنه بعد مدة يزول اللزوم من جهتها ويبقي جائزًا لم يقدح في النكاح؛ ولهذا يصح نكاح المجبوب والعنين، وبشروط يشترطها الزوج، مع أن المرأة لها الخيار إذا لم يوف بتلك الشروط‏.‏ فعلم أن مصيره جائزًا من جهة المرأة لا يقدح، وإن كان هذا يوجب انتفاء كمال الطمأنينة من الزوجين‏.‏ فعزمه على الملك ببعض الطمأنينة‏.‏ مثل هذا إذا كانت المرأة مقدمة على أنه إن شاء طلق، وهذا من لوازم النكاح فلم يعزم إلا على ما يملكه بموجب العقد، وهو كما لو عزم أن يطلقها إن فعلت ذنبًا أو إذا نقص ماله ونحو ذلك، فعزمه على الطلاق إذا سافر إلى أهله، أو قدمت امرأته الغائبة، أو قضي وطره منها، من هذا الباب‏.‏

/وزيد كان قد عزم على طلاق امرأته، ولم تخرج بذلك عن زوجيته؛بل مازالت زوجته حتى طلقها، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اتق الله وأمسك عليك زوجك‏)‏، وقيل‏:‏ إن الله قد كان أعلمه أنه سيتزوجها، وكتم هذا الإعلام عن الناس، فعاتبه الله على كتمانه، فقال‏:‏ ‏{‏وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 37‏]‏، من إعلام الله لك بذلك‏.‏ وقيل‏:‏ بل الذي أخفاه أنه إن طلقها تزوجها‏.‏ وبكل حال لم يكن عزم زيد على الطلاق قادحًا في النكاح في الاستدامة، وهذا مما لا نعرف فيه نزاعًا‏.‏ وإذاً ثبت بالنص والإجماع أنه لا يؤثر العزم على طلاقها في الحال‏.‏

وهذا يرد على من قال‏:‏ إنه إذا نوي الطلاق بقلبه وقع‏.‏ فإن قلب زيد كان قد خرج عنها، ولم تزل زوجته إلى حين تكلم بطلاقها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تجاوز لأمتىعما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به‏)‏، وهذا مذهب الجمهور، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وهو إحدى الروايتين عن مالك‏.‏ ولا يلزم إذا أبطله شرط التوقيت أن تبطله نية التطليق فيما بعد؛ فإن النية المبطلة ما كانت مناقضة لمقصود العقد، والطلاق بعد مدة أمر جائز لا يناقض مقصود العقد إلى حين الطلاق، بخلاف المحلل فإنه لا رغبة له في نكاحها البتة، بل في كونها زوجة الأول، ولو أمكنه ذلك بغير تحليل، لم يحلها هذا‏.‏ وإن كان مقصوده العوض فلو حصل له بدون نكاحها لم يتزوج، وإن كان مقصوده هنا وطأها ذلك اليوم، فهذا من / جنس البغي التي يقصد وطأها يومًا أو يومين، بخلاف المتزوج الذي يقصد المقام والأمر بيده، ولم يشرط عليه أحد أن يطلقها كما شرط على المحلل‏.‏

فإن قدر من تزوجها نكاحًا مطلقًا ليس فيه شرط ولا عدة ولكن كانت نيته أن يستمتع بها أيامًا ثم يطلقها، ليس مقصوده أن تعود إلى الأول‏:‏ فهذا هو محلل الكلام، وإن حصل بذلك تحليلها للأول، فهو لا يكون محللاً إلا إذا قصده أو شرط عليه شرطاً لفظيا أو عرفيا‏.‏ سواء كان الشرط قبل العقد أو بعده‏.‏ وأما إذا لم يكن فيه قصد تحليل ولا شرط أصلاً، فهذا نكاح من الأنكحة‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن هذا ‏[‏التحليل‏]‏ الذي يفعله الناس اليوم‏:‏ إذا وقع على الوجه الذي يفعلونه، من الاستحقاق، والإشهاد، وغير ذلك من سائر الحيل المعروفة‏:‏ هل هو صحيح، أم لا‏؟‏وإذا قلد من قال به، هل يفرق بين اعتقاد واعتقاد‏؟‏وهل الأولى إمساك المرأة، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

التحليل الذي يتواطؤون فيه مع الزوج ـ لفظًا أو عرفًا ـ على أن يطلق المرأة، أو ينوي الزوج ذلك، محرم‏.‏ لعن النبي صلى الله عليه وسلم / فاعله في أحاديث متعددة، وسماه ‏[‏التيس المستعار‏]‏، وقال‏:‏ ‏(‏لعن الله المحلِّل والمحلَّل له‏)‏‏.‏ وكذلك مثل عمر وعثمان وعلى وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة، يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل، وإن لم يشترطه في العقد، وسموه ‏[‏سفاحًا‏]‏

ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد، ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل، بل يجب عليه فراقها، لكن إذا كان قد تبين باجتهاد أو تقليد جواز ذلك، فتحللت، وتزوجها بعد ذلك، ثم تبين له تحريم ذلك، فالأقوي أنه لا يجب عليه فراقها، بل يمنع من ذلك في المستقبل، وقد عفا الله في الماضي عما سلف‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن إمام عدل، طلق امرأته، وبقيت عنده في بيته حتى استحلت تحليل أهل مصر، وتزوجها‏.‏

فأجاب‏:‏

إذا تزوجها الرجل بنية أنه إذا وطئها طلقها لتحلها لزوجها الأول، أو تواطآ على ذلك قبل العقد، أو شرطاه في صلب العقد ـ لفظًا أو عرفًا ـ فــهذا وأنواعــه نكاح التحليل الذي اتفقت الأمة على بطلانه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لعن الله المحلل والمحلل له‏)‏‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل طلق زوجته ثلاثًا، ثم أوفت العدة، ثم تزوجت بزوج ثان، وهو المستحل‏:‏ فهل الاستحلال يجوز بحكم ما جري لرفاعة مع زوجته في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، أم لا‏؟‏ ثم إنها أتت لبيت الزوج الأول طالبة لبعض حقها، فغلبها على نفسها، ثم إنها قعدت أياماً وخافت، وادعت أنها حاضت؛ لكي يردها الزوج الأول، فراجعها إلى عصمته بعقد شرعي وأقام معها أيامًا فظهر عليها الحمل، وعلم أنها كانت كاذبة في الحيض فاعتزلها إلى أن يهتدي بحكم الشرع الشريف‏.‏

فأجاب‏:‏

أما إذا تزوجها زوج ليحلها لزوجها المطلق، فهذا المحلل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لعن الله المحلل والمحلل له‏)‏‏.‏ وأما حديث رفاعة فذاك كان قد تزوجها نكاحًا ثابتًا، لم يكن قد تزوجها ليحلها للمطلق‏.‏ وإذا تزوجت بالمحلل ثم طلقها فعليها العدة باتفاق العلماء؛ إذ غايتها أن تكون موطوءة في نكاح فاسد فعليها العدة منه‏.‏

وما كان يحل للأول وطؤها، وإذا وطئها فهو زان عاهر، ونكاحها الأول قبل أن تحيض ثلاثًا باطل باتفاق الأئمة، وعليه أن يعتزلها، فإذا جاءت / بولد ألحق بالمحلل، فإنه هو الذي وطأها في نكاح فاسد، ولا يلحق الولد في النكاح الأول؛ لأن عدته انقضت وتزوجت بعد ذلك لمن وطئها، وهذا يقطع حكم الفراش بلا نزاع بين الأئمة، ولا يلحق بوطئه زنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الولد للفراش، وللعاهر الحجر‏)‏‏.‏ لكن إن علم المحلل أن الولد ليس منه، بل من هذا العاهر فعليه أن ينفيه باللعان، فيلاعنها لعانًا ينقطع فيه نسب الولد‏.‏ ويلحق نسب الولد بأمه‏.‏ ولا يلحق بالعاهر‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى‏:‏ هل تصح مسألة العبد أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، تزوج المرأة المطلقة بعبد يطؤها ثم تباح الزوجة هي من صور التحليل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لعن الله المحلل والمحلل له‏)‏‏.‏